كان يرى القطط في كل مكان. تتبعه. تحس بخطواته. تكلمه بلغة العيون.
ربما هو قلبه الحنون...لقبه سكان الحي بصاحب القطط.
كان منظره البئيس يوحي بالحزن والألم. كان فعلا رجلا حزينا. هو ظل ضائع...تشرد داخل دروب قلبه العطوف. سبقته قاطرة الحياة. تخلف عن أغلب مواعيد عمره...بعض أصدقائه القدامى أصبحوا يتفقدون أحواله أحيانا...يهدون إليه ملابسهم القديمة...علب السجائر.
كان أدمن على الكحول والحنان. دفءه يبقى في كل مكان. عندما كان يسير نحو بيته...نحو وجهه...نحو عمره المتقادم المتقاعس أمام شباب الحلم.
كان يحب القطط...وكانت القطط تطارده بالحب. باللطف. بالمواء الناعم كأنها تغازل حزنه الجميل.
كان يحمل كل مساء كيس أسماك؛ ويفرغه أمام باب منزله العتيق...فيجتمع معشر القطط الجوعى في وليمة الحنان والحب والطعام الفاخر...
وذات يوم...
لم يأت.
لم تأكل القطط...
ولم تشتعل السيجارة...
ولم تلامس الارض حذاء يشهد على حفاوة التاريخ ببطولات متشرد بقلب ذهبي...
اجتمع الناس...فقد طرق صديقه الباب ولم يفتح.
مات الرجل الرائع. وكانت القطط تبكي في صمت...في مأتم المخلوقات. بكت وكتبت قصيدة رثاء وراء النوافذ والابواب...
تركت رسائل ألم وراء صناديق النفايات...وحيطان الأرصفة...
وعثرت ذات يوم على بقايا خصلات شعر ذلك الانسان الرائع. وعانقت رائحته...
شعرت بنور السعادة قادما من عالم الأموات...ضوءا يبشرها بحنان نائم وراء القبور؛ يصل حتى السموات.
إنها حكاية حياة ترافق فيها مخلوقات مأساة سعيدة اسمها التشرد وسط غربة القسوة بقلب دافئ...قصة رحمة ورأفة ومواساة؛ من زوار عابرين هم المخلوقات.
تعليقات
إرسال تعليق